السبت، 17 أكتوبر 2009

الإبداع والمفهوم الفلسفي

الإبداع والمفهوم الفلسفي
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( ت 7 ب 5س35 ) حقوق النشر محفوظة

من الطبيعي أنّ الإبداع العلمي يناسبه أن يكون عبارة عن الانتقال من اللاشيء إلى الوجود بغض النظر عن المبادئ الّتي ينتقل عنها إلى وجود ذلك الشيء بعد تمامية المقتضي والشرط وعدم المانع وعندئذٍ يصبح ذلك الوجود في دور الفعلية والتحقق، وعليه يكون الإبداع قد كشف عن وجود جديد يختلف عما عليه الوجودات الأخرى من حيث أصل صيرورتها وتكوينها وما يحمله ذلك الوجود من الخصوصيات والمشخصات والانطباعات الخاصة من حيث المادة والصورة فمثلاً ما يتحدث القرآن عن نشئة الإنسان ابتداءً من التراب ثم إلى النطفة ومنها إلى العلقة ثم إلى المضغة، وبعد ذلك ينقل إلى اللحم والعظام فإنّ كلّ وجود لاحق ومتأخر يختلف في حقيقته
وجوهره عن الوجود السابق بما يحمله من الصفات والمادة الجوهرية المباينة لتلك الماهية السابقة، وهذا ما يصطلح عليه بالابداع التكويني؛ وبذلك تجد القرآن يطلق على ذاته المقدسة بأنه بديع السماوات والأرض وإذا أراد أن يقول للشيء كن فيكون وهو إخراج من اللاشيئية إلى الشيئية.
وأمّا بالنسبة إلى الأمور العرضية الطارئة على المادة فإذا أوجبت تغييرا في الجوهر وهذا محل نظر لدى الفلاسفة كما نشير إلى مايلي:
1 ـ انتقال الكم إلى الكيف.
2 ـ انتقال الكيف إلى الكم.
3 ـ انتقال الكم إلى الكم.
4 ـ انتقال الكيف إلى الكم.
هذه الصور العلمية الّتي ربما يدعى لبعض الفلاسفة صحة هذا الانقلال كما عليه هيجل وعلماء الفيزياء وإن كان الاتجاه الفلسفي التقليدي يأبى ذلك حيث يرى ذلك الأمر الامتناع العقلي لأنّ كل مقولة في جوهرها تبان المقولة الأخرى فلا يمكن أن تتبدل الحقيقة بما هي عليها من الوجود المقولي إلى حقيقة مباينة لها.
ولا يخفى أنّ المراد بالانتقال بما هو يمكن أن يتغير الوجود الكمي إلى الوجود الكمي الآخر، ولكن البحث بالنظر إلى انتقال الكم إلى الكيف، وذلك بما أنّ الكم يحمل ثقلاً نوعيا وهو من الأجسام المادية وهو بطبيعته من العناصر والأجسام الخارجية الّتي يصطلح عليها بالمقولة فتحويل الكم إلى الكيف بناء على النظريات العلمية دون المباني الفلسفية التقليدية فإنه لا يوجب امتناعا لامكان تحويل المادة إلى الطاعة، وهذا من جملة الابداعات العلمية كما في الذرة والمادة النووية الهايدروجينية ونحوها فإنه في حال صيرورتها مادة ذرية أو نووية وإن كان في أصل موضوعها من أقسام المادة وهي من الوجود الكمي وفي حال تحويلها إلى الطاقة تنتقل إلى الوجود الكيفي؛ وبذلك يحصل تغيير وانقلاب من الكم إلى الكيف.
وأمّا بالنسبة إلى انتقال الكيف إلى الكم وذلك في مثل البراكين الّتي توجب انفجار أو اهتزاز هائلاً فيوجب بعد ذلك تعالى السحب وتأجج النيران من أعماق
الأرض وتندفع الشعل البركانية على شكل سيول متدافعة بقوة لهبها وذوبانها على سطح الأرض وبعده ينقلب الوجود الكيفي إلى الصخور المعدنية والفلزات على اختلاف أنواعها، وهذا أيضا من نوع الابداع التكويني حيث أوجب انقلاب الطاقة إلى المادة.
وأمّا دور الانتقال من الكم إلى الكم وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى « ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة » ، فإنّ هذه الآية المباركة تكشف عن ظاهرة الابداع العلمي من حيث دور الانتقال من الكم إلى الكم لأنّ كل ما ينقل إليه الانسان في النشئة قائما كان ذلك بسبب التحول المادي، وهذا مما يتطابق مع الفهم الفلسفي وإن كان بالنظر العلمي أنه من نوع الابداع العلمي لأنّ كلمة الخلق يراد به الابداع وإنّ كلمة الجعل يراد بها المعنى الفلسفي لأنه راجع إلى الوجود الخارجي، وهذا ما عليه موضوع الانقلاب في المفهوم الفقهي الإسلامي وذلك عندما ينقلب الخمر إلى الخل من إنّ كلاً منها في صيرورة المادة دون النظر إلى مفهوم الاستحالة بالمفهوم الاسلامي وإن كان بالنظر الفسفي يعبر عنه بتبدل الصورة النوعية إلى حقيقة أخرى وذلك عندما نجعل الكلب في مملحة فإنه سوف يستحيل إلى وجود الملح ولا يكون منحفظا فيه المادة الحيوانية، وهذا أيضا من مصاديق الابداع العلمي والفلسفي معا.
وأمّا بالنظر إلى انتقال الكيف إلى الكيف وهو ما يطلق عليه بتحول الطاقة إلى طاقة أخرى فتارة يكون التحول من جنسها وأخرى من مقارنات عرضية مغايرة لتلك الحقيقة الأولى ومثال ذلك كتحول النار إلى النور فإنّ كلاً منهما من الوجود الكيفي وهذا أيضا من نوع الابداع العلمي وإنّ مثل هذا الاقسام في أصل واقعها الموضوعي بغض النظر عن مناقشة الفلاسفة في أصل حقيقة الانتقال والتحول أو ما يسمى بالانقلاب في المادة والصورة الّذي عليه العرف الفقهي بالاستحالة فإنّ كل ذلك يمثل حالة من الابداع في الجانب العلمي.
وعليه يتجلى حصول الاختلاف بين النظريتين في ناحية تحول الكم إلى الكيف فعلى مسلك رأي الفلاسفة لا ينظرون إلى تمامية القول بانقلاب الكم إلى
الكيف لأنّ كل مقولة كمية تباين المقولة الكيفية.. وهكذا العكس وأمّا على مسلك الفيزيائيين فيمكن ذلك حيث يصح في تصورهم تحويل الكم إلى الكيف وانتقال المادة إلى الطاقة كما أنّ تحويل الكيف إلى الكم يمكن ذلك أيضا ولا يتم ذلك إلاّ بالوسائل وأجهزة يمكن للمختبرات تحقيق ذلك، وعليه يصح اطلاق الابداع العلمي في المسلك الثاني دون الأول.
وتكون نتيجة هذا التحويل على أنواعه مستند إلى ما في ذاتية الكم أو الكيف من الصلاحية في الإرجاع في االنقلاب والتبدل النوعي إلى كل منهما فإذا تحول الكم إلى الكيف فذاك لما يمر كل واحد في مرحلة التغيير بغض النظر عن الزمان وأثره فإنه لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار في ناحية السير الحركي في ناحية الابداع وإنّ قوة الابداع تأخذ حالتها الطبيعية في ناحية الانعكاس فإذا ضم الزمان إلى حالة سير الابداع في ناحية ما عليه تمامية النشئة التكوينية في طرف الكم أو الكيف فتكون من مجموع ذلك حصول النتيجة من حيث جمال الابداع إذا كان لطول الزمان أثر في ناحية الانعكاس على حركة الابداع وقد يكون لقصر الزمان أثره أيضا ويكون بعين ذلك مؤثرا في خلاقية الابداع وجماله وذلك فيما أمر اللّه‏ سبحانه للنار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم عليه‏السلام بذلك الزمان الّذي في دور الاحتراق إلى زمان البرودة، هذا بناء على تمام هذه النظرية في ناحية تصوير انعدام الزمان فيما بين المرحلتين، وهذا ما يمرّ عليه كثير من موارد الاعجاز لسير الأنبياء والأوصياء.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق