السبت، 17 أكتوبر 2009

الابداع والأصول الموضوعة

الابداع والأصول الموضوعة
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ث 4 ف 6 ت 89) حقوق النشر محفوظة

مما يبتنى عليه الابداع العلمي الحصول على الركائز والضوابط العلمية من حيث الأصول الموضوعة أو ما يكون موردا للإرجاع إلى الأصول المسلمة العامة حتى يتولد من خلالها الانقداح في التجديد، ويمكن أن نتناول الأصول الموضوعة أو ما تكون مسلمة عند الجميع بغض النظر عن تجديد مناهجها بحسب كل فن، وإنما تدرس على نحو الأنماط العامة لتكون مأخوذة بنحو القضية المدرسية دون الجهة المذهبية وذلك كما في الوحدة والكثرة وأصالة الماهية وأصالة الوجود والعدد
الزوجي والعدد الفردي في نظر الأصولية الفلسفية التقليدية أو بحسب نظر الهيئة والرياضة أو تقسيم الخط إلى الطويل والمنحني والأفقي والعمودي والمتوازي أو تقسيم الشكل إلى الرباعي والثلاثي والخماسي والمستطيل والدائري ونحوها، أو مثل عدم جواز اجتماع المثلين أو النقيضين أو الضدين، وإنّ ما يرتكز عليه موضوع النقيضين هو عدم اجتماعهما في محل واحد كالوجود والعدم، ولا يمكن ارتفاعهما معاً فلا تقول لا موجود ولا معدوم أو ما يبتنى عليه الاتجاه الفلسفي بعدم اعادة الموجود.
وعليه فالضابطة الأصولية المنطقية أن يكون الثابت بالنظر إلى النقيضين إمّا أن يكون الوجود أو العدم أو أنّ القضية إمّا أن تكون حملية أو شرطية أو تصورية أو تصديقية وهي من الأصولية المنطقية أو أنّ الحركة الجوهرية قائمة على المتغيرات دون الثوابت أو أخذ موضوع التجديد من الأصول المستقرة الثابتة وإنّ التجربة من الأصول المتغيرة أو النظر إلى أصول السنخية في ناحية وحدة الحقيقة النوعية والجنسية أو من حيث الصنفية والمثلية أو من جملة الأصول الموضوعة الارجاع إلى النسب الإضافية أو الحقيقية أو النظر إلى ذات النسبة واختلافها عندما تقع فيما بين الكليين من التساوي أو العموم من مطلق أو من وجه أو التباين أو التساوي وهي أيضا من الأصول المنطقية في مقام معرفة الضوابط الأصولية العامة فيما بين المنتسبين الكليين كما أنّ من جملة الأصول الموضوعة عند الاخلاقيين بالنسبة إلى تعادل الصفات وانتزاع صفة ثلاثية من خلال صفة الافراط والتفريط والرجوع إلى أصول الاعتدال العام والموازنة بين الصفات كالكرم المنتزع من الاسراف والتقتير أو الشجاعة المنتزعة من التهور والجبن.
وكذا من جملة الأصول الموضوعة كإجراء البراءة الأصلية (العقلية ) أو الشرعية الّتي ترتكز عليها أطراف المتشرعة وأصبحت من الأصول الموضوعة الشرعية لديهم وكذا الحال في جريان أصالة الاشتغال عندما تخرج العهدة من قبل المولى والمشرع وتلتحق العهدة في عاتق العبد وبذلك لابدّ من الالتزام في أداء التكليف حيث أنّ المورد من باب الاشتغال لأنّ الذمة قائمة على المكلف ولابدّ من
اتيان التكليف كمن لم يعلم بوقوع النجس في أحد الاناءين فإنه يجب عليه الاجتناب لكل من الطرفين لمنجّزية العلم الاجمالي وكذا من موارد الأصول الموضوعة الاستصحاب وهو من كان لديه اليقين السابق والشك اللاحق فبمقتضى إجراء ما كان على ما كان يكون مورداً للإستصحاب؛ ولذا ورد في ضبط هذه القاعدة الأصولية قوله عليه‏السلام: «لا تنقض اليقين بالشك».
وأيضا من موارد الأصول الموضوعة قاعدة اليقين وهو الحكم بوجود الشيء وترتب آثار وجوده إذا حصل الشك في الوجود بعد العلم به بأنه شك في كون علمه مطابقا للواقع أو مخالفا له فللقاعدة موضوع ومحمول موضوعها الشك الساري في وجود ما تيقن به ومحمولها الحكم بالوجود كما هو الحال في عدالة زيد يوم الخميس، ووقع الشك في يوم الجمعة بأنّ عدالته في ذلك اليوم الخميس قد ارتفعت أم لا فمقتضى القاعدة بقاء العدالة؛ ولذا أنّ قاعدة الاستصحاب لا يسمى بالشك الساري بخلاف قاعدة اليقين فإنّ الشك يسري إلى اليقين.
ثمّ أنّ ما تناولنا في ناحية عرض الأصول الموضوعة تارة بما يقصد بها الأصول المصطلحة وأخرى ما يراد بها الأعم من ذلك فإذا استعرض النحوي أصوله الموضوعة في ناحية أصل الكلمة أو الكلم أو أساس التقسيم لوجود الكلمة هي الإسم والفعل والحرف بما أنها متفرعة عن الكلمة بنحو الحصر العقلي أو الجانب الاستقرائي أو عرض ما يبتني عليه مسائل النحو الّتي أصبحت لديه من الأصول الموضوعة.
أو الرجوع إلى القواعد الصرفية كالاعلال في الكلمة أو مواقع الزيادة والنقصان وما يبتنى عليه الاوزان بالنسبة إلى علم العروض كفعلل وتفعلل ونحوهما فأصبحت أيضا من الأصول الموضوعة بحسب مدرستهم المنهجية العروضية الّتي تبناها الخليل بن أحمد الفراهيدي.
أو بالنسبة إلى القواعد البلاغية والبيان من حيث الحقيقة والمجاز والحذف والاضمار والاظهار والوصل والفصل والتقيدم والتأخير ونحوها فإنّ كل ذلك أيضا من الأصول الموضوعة البلاغية، وعلى هذا يمكن أن نقدم الأصول الموضوعة بما يلي:

1 ـ الأصول الموضوعة العامة.
2 ـ الأصول الموضوعة الخاصة.
فأمّا الأصول الموضوعة العامة، وهي الّتي تشكل مدرسة في جميع المناهج من غير أن تحدد في الشريعة أو القانون أو المجتمعات، وإنما تؤخذ على شكل مدرسي عام وهو ما نعبر عنه بالأصول المنطقية العامة كما في الأصول المعرفية العامة فالإرجاع إلى قانون العلية والمعلولية والسببية والمسببية من القوانين الأصولية العقائدية الّتي لا يمكن أن تؤخذ بجانب محدد كالتحديد لمجتمع أو عرف وإنما تناط بأصول موضوعة عامة غير محددة بشريعة أو متشرعة وإنما تدرس على شكل ضابطة كلية عامة، وهذا بخلاف الارجاع إلى مثل قاعدة الواحد لا يصدر منه إلاّ واحد، هي وإن جاءت على منهج أصولي فلسفي ولكنها لا ترتبط في اطار الأصول الخاصة المناطة في دائرة الفلسفة وضوابطها العلمية.
أو مثل قانون التناقض بما عليه من الشرائط العامة وإن ذكر في مباحث المنطق ولكنها أخذت بنحو الأصول الموضوعة العامة ولا تحدد في الجانب المنطقي وإنما هي من الضوابط الكلية في جميع سلسلة العلوم.
وأمّا الأصول الموضوعة الخاصة وهي وإن جاءت بنحو الضابطة الكلية كما هو الحال في الأصول المقولية والأصولية الماهوية والأصولية الوجودية والأصولية النفعية والأصولية الجمالية والأصولية التاريخية والأصولية الجدلية فإنه بالنظر إلى الأصولية المقولية تختلف بالنسبة إلى حركة الارجاع الاستنباطي من حيث ضوابطها إمّا بالانتقال إلى الأصول الموضوعة كما بالنظر إلى عدم الجمع بين المقولتين وذلك إذا أخذت كل مقولة بنحو الحدية في ناحية ما تبتنى عليه تلك الحيثية الخاصة فلا يمكن أن تكون بعين ذلك أن تجتمع المقولة المحددة مع المقولة الأخرى كمقولة متى وأين والوضع والجِدَة والكيف والكم ونحوها فإنه بآن مقولة كل واحدة منها لا يمكن أن تنتقل إلى الأخرى بحيث تكون متحدة معها بنحو الوحدة الحقيقية فإنّ ذلك من الأمور الممتنعة عقلاً؛ ولذا فإنّ اجتماعها يكون على نحو نسبة التباين بين المقولتين.
ولكن ما يذهب إليه علماء الفيزياء والكيمياء تجدهم يحولون الكم إلى الكيف،
ولكن ما عليه آراء الفلاسفة ينكرون ذلك لأنهم يرون بأنّ المقولة في آن حديتها لا يمكن نقلها إلى مقولة أخرى وأمّا القول بالاستحالة فذاك في فرض إلغاء الحدية مع كلا الطرفين والمورد في حال الاحتفاظ بالحدية لا يمكن الانتقال إلى حدية أخرى لحصول المباينة وبذلك الأصول الموضوعة مستدرجة تحت الأصول الموضوعة العامة.
أو مثل تحويل الاستقراء إلى الاستنباط فإنه بناء على أخذ كل أصل بما هو المحدد له في جهة المعرفية فلا يمكن أن يتحول الاستقراء من الخاص إلى العام أن يكون بعين ذلك أن ينتقل العام إلى الخاص وهو أيضا من نوع المباينة في ناحية الأصول الموضوعة الخاصة إلاّ على ما أشرنا إليه في ناحية الابداع أن يكون هناك حركة توليدية من الاستقراء إلى الاستنباط كما لو جعل الاستقراء من المبادئ الاستنباطية في ناحية حركة الاستنتاج وبذلك يتولد قياس استنباطي من خلال جعل الاستقراء طريقا وهذا ما يتحقق لدى المبدع في مقام استنباطه واستنتاجه.
وما يقال بأنّ ذلك يمكن لكل من يمتلك قوة الاستنتاج أن ينقدح لديه ذلك الأمر فلا يفرق بين المبدع وغيره فإنه يقال فرق في ناحية من يمتلك القوة الاستنباطية في ناحية الجري لطريق الاستنباط وبين من يمتلك القوة في الابتكار في الأصول الموضوعة في ناحية التوليد.
هذا مع أنّ من جملة الأصول الموضوعة العامة والخاصة أيضا مثل البراءة العقلية والشرعية، وكذا في مثل الاشتغال العقلي والاحتياط الشرعي أو ما كان الاستصحاب منظورا إليه من خلال الإمارة الشرعية دون النظر إليه بما له من الموضوعية في ناحية أصل الواقعية الاستصحابية وعليه يكون تصور الأصول الموضوعة الخاصة مصاغة من قبل الشرع؛ ولذا تقع منظورة إليها بما للشارع من الناظرية في مقام جعلها ولا تكون أصولاً موضوعة بنحو العموم والشمول لبقية الحركات العلمية الأخرى كما هو الحال بالنسبة إلى البراءة الأصلية والاشتغال بما هو منوط فيه الجانب العقلي والاستصحاب البنائي فإنّ مبنى الاستصحاب هو ارجاعه إلى البناء العقلائي دون الأمر العقلي؛ ولذا تجد الشارع يوكل الموارد للإستصحابية إلى
العرف بما أنه قائم على الجانب البنائي العقلائي ولا يوكله إلى الجانب الشرعي في ناحية تحديده للموضوعات المستصحبة.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق