الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الإبداع بين العقل الجمعي والعقل الفردي

الإبداع بين العقل الجمعي والعقل الفردي
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ا 90 ز 3 ي2 ر 1 ى 6 ة 89) حقوق النشر محفوظة
من الأمور المهمة التي ينبغي أن تبحث وهي كينونة الإبداع في واقعه الموضوعي هل قائم على العقل الجمعي أو قائم على العقل الفردي حيث تحدثنا في كتابنا علم الاجتماع بين المتغير والثابت وقلنا هناك بإصالة العقل الفردي دون التمسك بالعقل الجمعي لما بنينا عليه هناك من الإرجاع إلى حقيقة العقل الفردي إلى الأمر الانتزاعي الناشى‏ء من محل انتزاعه و هذا يستدعى أن يكون وجوداً بسيطاً في جميع
الأنحاء حتى لو كان ذلك الانتزاع ناشئاً من تراكم العقول فإنّ مآل العقل عندئذٍ إلى العقل الفردي دون العقل الجمعي، هذا بالإضافة إلى ما قررناه في كتابنا نقد المذهب التجريبي أنّ جميع الحركات المادية بما أنها متغيرة وغير ثابتة في أصل وجودها ولا سيما على البناء في الحركة الجوهرية فإنّ كل أمر مادي مرجعه إلى عدم الثبات بالإضافة إلى ما يرتدي من ألبسة والصور المتعددة حيث يبتنى دائما على الخلع واللبس بلحاظ أصل وجود المادة بخلاف ما يبتنى عليه العقل فهو قائم على الثبات وعدم التغيير كالقوانين والضوابط المعيارية فإنّ مثل الواحد لا يكون متغيرا في بعض الأزمنة بحيث يكون يوماً من الأيام منتقلاً إلى عدد اثنين. وهكذا في بقية الأعداد الأخرى، وكذا ما كان في حدود المربع أو المثلث لا يمكنهما الانتقال إلى المستطيل والمثلث إلى الأفقي أو العمودي. وهكذا فهي قوانين ثابتة غير متحركة ولها ثباتها، وكذا الحال بالنسبة إلى بساطة العقل عند انتزاعه من منشأ انتزاعه يكون بسيطا بما أنه مفهوم ومقتضى طبيعة المفهوم في واقعه الموضوعي يكون بسيطا ولا يكون مركبا.
وعلى ضوء ما حررنا يتضح أنّ الإبداع إنّما يتولد من الحركة العقلية عندما ينتقل من المطالب إلى المبادئ بأسباب عقلية جماعية أو فردية فإنّ مآله إلى الوصول إلى نتيجة قطعية من خلال ضم المقدمة الصغرى إلى الكبرى أو عن طريق الانتقال من الجزء إلى الكل بواسطة أدلة الإستقراء فهو لم يخرج عن إطار البساطة بحسب واقعه.
ولكن البحث من منطلق الاجتماع فيرى علماء الاجتماع أنّ ما يثير حركة الإبداع ينقدح من زاوية الجماعة لحصوله على بنية التراكم العددي دون الوجود الفردي كما يحدثنا (غوستاف لوبون في كتابه علم نفس الجموع ) حيث يرى أنّ الجماعة تحبط القدرات الفردية المتميزة إذ يقول في ذلك (إنّ المكتسبات الفردية تضمحل في إطار الجمع وتزول معها الشخصية الخاصة لكل واحد ) ويقول في موطن آخر (إنّ الإنسان بمجرد انتسابه إلى جمع من الجموع يهبط إذا عدة درجات على سلم الحضارة فلعلة كان وهو منعزل فردا مثقفا أمّا في وسط الجمع فهو غريزي وبالتالي همجي ).
وهذا يختلف عما عليه (كارليل ويفيز) وجماعة أخرى حيث يقدّمون الإبداع
الفردي على الإبداع الجمعي وينظرون إلى الإبداع بما هو نتاج روح فردية لأنّ الاكتشافات والإبتكارات التي تمت في الماضي وفي الوقت الحاضر أيضا قد ارتبطت بإسم شخص أو فرد واحد.
وخرج جماعة من القائلين بالابداع الفردي وذلك عن طريق الدليل الإستقرائي حيث ظهرت هذه النتائج في كتاب الإبداع فعالم النفس (تايلور) يؤكد على أنّ الطرائق الجماعية لا تحقق انجازات عالية إبداعية فعندما تعمل مجموعة من الأفراد بعضها مع بعض فغالبا ما يقتصر انتاجها على الترابطات السطحية (الأفقية) وقليلاً جدا ما تصل إلى الترابطات العميقة (العمودية ) وهناك أفكار مشابهة لهذه أكدها (ارنولد) منظم مختبر (الإبداع الهندسي) والمهندس (باس) الاختصاصي بمشكلات النشر ويؤكد هذا الأخير على أنه لم يتم في تاريخ العلم أي انجاز متميز من قبل الجماعة حيث أنّ النظريات الكبرى والأفكار الفعالة كانت على الدوام نتاجات لروح فردية أو لشخص واحد، ومن الأهمية بمكان أنّ هذه التأكيدات قد جاءت متعارضة مع الهدف نفسه للإجتماع حيث أنّ المشتركين أوجدوا أفكارا جديدة على أساس من المناقشة والتعاون بين الأفراد.
ويرى (ليبوتيه) أنّ الإبداع الجماعي في النتاج الأخير ما هو الإنتاج الأفراد إن لم نقل هو نتاج روح فردية واحدة.
كل هذه الأطروحات القائلة بتقديم الإبداع الفردي على الجماعي أو العكس يحتاج إلى دلالة مبنائية قائمة على قواعد علمية وليس النظر إلى ما وقع خارجا هو اثباته عن طريق الإستقراء وحصول النتاج الفعلي في مقام الخارج فإنّ ذلك ليس فهما علميا كما هو الذي يناسبه في التدوين أن يطرح موضوع الإبداع كحقيقة علمية قائمة على أسس من التجديد في الضوابط والقواعد بغض النظر عن المبادئ سواء كانت إستقرائية أم إستنباطية فإنّ ما يبتني عليه أسس الإبداع من منطلق النتاج الفردي دون النتاج الجماعي وأمّا بالنسبة إلى النتاج الجماعي فيكون ذلك بوسائل الإعداد عن طريق المقدمات للحصول على النتيجة الأخيرة إن ما يتوصل إليه العقل الجمعي من خلال التراكم العددي بطريق الأعداد في ناحية اطروحة المكتشف العلمي كما حدث لمثل
خمسة مبدعين بريطانيين إنجاز اكتشافاتهم وهم (بارنس) و (إليس) و (جون بيكر) في البناء، وكذا في مثل (فرانك) و يمثل في إنجاز المحرك العنقي أو المحرك التوربيني، وكذا للستير بيلكينفتون في صناعة الزجاج فإنّ كل هؤلاء يمثلون حالة من الإعداد في ناحية التوصل إلى النتاج وإنّ الوصول إلى النتيجة مرجعها إلى العقل الفردي.
وأمّا قوة الإبداع أو ضعفه فهو ناتج عن المقدمات سواء كان بطريق العقل الجمعي أو بطريق العقل الفردي وليس ذلك لسبب ضعف العقل الفردي أمام العقل الجمعي أو العكس وإنما كما يقال النتيجة تابعة لأخس المقدمتين فإذا كانت المقدمة في الجانب الجمعي قوية يصبح الإبداع قويا، وهكذا بالنسبة إلى العقل الفردي.
هذا مع أنه لابدّ من الفرق بين ما يرتكز عليه النتاج القائم عليه موضوع مركب في أصل وجوده كما في العلوم الصناعية فإنّ النتاج الذي ينعقد عليه حركة الإبداع يكون أمرا مركبا وبالتالي إذا قامت جماعة على تكوين أحد الأجزاء الذي من خلال تلك الأجزاء يتكون ذلك الوجود التركيبي فليس ذلك لسبب العقل الجمعي، بل لسبب أصل حقيقة الموضوع التركيبي قد بنى على وجود أجزاء قام كل طرف في إنجاز ما تعلق به ويكون بالنتيجة من نوع انحلال العقل الجمعي إلى أجزاء بلحاظ تعدد الموضوع، وليس من حيث أصل عنوان الانتزاع العام الذي حصل من خلال التراكم العقلي، وهذا ما نجده قد اختلط عليه الكثير من رواد العقل الجمعي.
وأمّا ما يقال بأنه قد أكد بعضهم بنسبة 21 ـ 81% على أنّ التكامل بين الخبرات وأشاروا إلى أنّ الجماعة تستوعب المشكلات أكثر لدى الجماعة تنمو ظروف الصياغة والاعداد المتكامل للمشكلات وفي إطار الجماعة تتسع دائرة الرؤية، إنّ الفرد الواحد لا يعرف كل شيء، في إطار الجماعة يتم توزيع المهمات تأتي فكرة العادة من شخص وتأتي فكرة أخرى من الآخرين، وهكذا تتكامل فكرتان أو ثلاث فكر تتكامل الخصائص لدى أفراد الجماعة لأنه لا يمكن لكل الخصائص أن تكون موجودة في نفسها لدى فرد واحد، إن تنوع المؤهلات واختلاف الفعاليات ضمن الجماعة يسمح بإعداد أكثر شمولاً ويمكن تناول المشكلات من وجهات نظر مختلفة .

فإنه يقال أنه كما أشرنا إلى أنّ البناء على العقل الجمعي تارة من خلال التراكم في ناحية الاختيارات عن طريق المقدمات وتكون النتيجة موحدة عند الجميع، وأخرى ينظر إلى العقول على أساس من الإنحلال بحيث أنّ أي عقل يرجح بؤخذ به ويترك الباقي، وثالثة يؤخذ العقل بنحو الوحدة الحقيقية فيما بين العقول فينظر إلى العقل بحيثيتين أحدهما العنوان الإنحلالي إذا أخذ كل عقل منحلاً ومنعزلاً عن الآخر في ناحية أصل الصيرورة وثانيهما ينظر إليه على نحو الجمع في حال تراكمها لانشاء وحدة جمعية يترتب عليها آثارها العملية وكل من هذه التصورات لم تخرج عن إطار العقل الفردي، وأمّا ما يحصل من النقاش العلمي والحوار فيما بين الأساتذة أو الطلاب ووصولهم إلى قدر جامع في ناحية موضوع المسألة فذاك أيضا من نوع الوصول إلى العقل الفردي، أمّا الانقداح إلى حالة من الوصول إلى فكرة ما وراء ذلك الاستنتاج فهو وإن اتسم بالابداع إلاّ أنه أيضا من نوع الوصول إلى الإبداع الفردي.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق