الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الإبداع بين المحورية والآفاقية

الإبداع بين المحورية والآفاقية
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ن ع 7 5 ب4 ي3) حقوق النشر محفوظة
بما أنّ موضوع المحورية يقوم على المركزية ويدور عليه قطب الرحى سواء كان ذلك من طرف الدفع أو الرفع أو الطرد والعكس؛ ولذا أنّ جميع العلوم تقوم على المحورية تارة بما أنها الصلب في ناحية الموضوع العلمي كموضوع الكلمة والكلام في النحو أو المعلوم التصوري والتصديقي في المنطق أو موضوع العدد في العلم الرياضي أو الكم امتصل في علم الهندسة، وأخرى بما أنها ناظرة إلى الحمل كما في مسألة الأعراب والبناء بما أنهما يحملان على الكلمة والكلام أو المعرف والحجة بما أنهما يعرضان على المعلوم التصوري والتصديقي.
وبذلك يطلق المحور على محور الأرض وهو الخط الوهمي يصل القطب الشمالي بالقطب الجنوبي مارا بمركز الأرض ومن حوله تدور الأرض على نفسها كل 24 ساعة ولمحور الأرض ميل ثابت مقداره 5/66 درجه على مستوى مدار الأرض الفلكي ووضعه ثابت لا يتغير في كل فصول السنة .

والمهم في البحث هو الانطلاق نحو علاقة الإبداع بالمحورية حيث أنّ ما يرتكز عليه موضوع الإبداع هو التجدد في الأمر الاستنباطي أو التجدد في الأمر الاستقرائي، ولكن لكل من الجانب الاستنباطي والاستقرائي يأخذان شكلاً حركيا قد يصل كل واحد منهما إلى المحورية في البحث ويكون ذلك مسلما عند الجميع وقد يكون النظر إلى المحورية على أساس من اليقظة العلمية بأن تصبح جميع الحركات
مستندة إليها بما أنها تحمل الطاقة العظمى كما في المفاعلات النووية حيث إرجاع كافة الحركات إليها سواء كانت إيجابية أم سلبية أو كالارجاع إلى مثل القواعد الأصولية أو الفقهية أو الفلسفية أو العقائدية أيضا تعكس حالة من المحورية وهي في واقعها الموضوعي أيضا من نوع الابداعات المستجدة وبعينها مما يرتكز عليها موضوع البحث أو موضوع المسألة ولنأخذ مثالاً حول القاعدة الأصولية وهي في واقعها من الأمور المحورية كالترتب والمزاحمة بين الأهم والمهم فينطلق الأصولي في تشكيل قياس منطقي مترتب الأثر على كثير من الموارد التي تقع في محور تزاحم الملاكين كمعالجة الطبيب المريض عندما يكون بين محذورين في ناحية رفع خطر الموت عنه فينتقل الطبيب إلى إقرار الموارد ليحصل على نجاح حياة المريض ولو بقطع بعض أعضاءه كما لو أصيب بمرض السرطان في أحد أعضاءه فتجد الطبيب يقدم على قطع ذلك العضو لعدم سراية المرض إلى الأعضاء الأخرى، وهكذا الحال في دور المحورية في المجالات الأخرى، وذلك في انطباق القاعدة الفقهية على موضوع المحورية في مسألة لا ضرر ولا ضرار فإنّ مقتضى القاعدة عندما تطبق على مورد المسألة في مثل دخول الإنسان بدار زيد لانقاذه من الكهرباء إن كان الدخول يحتاج إلى إجازة بالدخول وأنه اضرار به لحق الملكية ولكن وقوع الإنسان بضرر الموت وهو الأهم أوجب تزاحم حق الإنسان المالكي وبين الحق الأهم وهو الانقاذ فيقدم الثاني على الأول ويكون ذلك من نوع تزاحم قاعدة السلطنة وقاعدة لا ضرر.
أو مثل القاعدة الفلسفية بالنظر إلى المحورية العامة أو المحورية الخاصة كالارجاع إلى محورية احتياج الممكن إلى اصالة الوجود أو أصالة الماهية فيمكسه أخذ المحورية على كل واحد من الاصالتين أو الإرجاع الى المؤثر فتارة في المبدأ وأخرى في المنتهى أيضا فإنّ قانون المحورية في أصل كبرى الاحتياج ثابتةً أمّا بالنسبة إلى المبدأ أو المنتهى فهما متفرعان عن مقام أصل المحورية أو مثل أنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد فإنّ جهة المحورية أيضا ناظرة إلى أصل القاعدة الأعم من الواحد الواجبي أو الواحد الامكاني أو يمكن اختراق مثل هذه المحورية الفلسفية بعدم تماميتها في الواجب لتمام قدرته على الخلق والايجاد بالطول والعرض، وأمّا بالنسبة
إلى الممكن فالقاعدة مسلمة وإنّ المحورية ثابتة في الجانب الامكاني دون الواجبي.
وأمّا المحورية العقائدية وذلك بالنسبة إلى المعتقد المسيحي في الاعتقاد بالتثليث وهي القائمة على الأب والابن وروح القدس وأنه لا يمكن الفصل عن هذه المحورية في الأقانيم الثلاثة.
أو كما يقال في المحور الاسلامي بأنّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله هو المحور الذي يستمد منه المسلمون تعاليمهم وأحكامهم لأنه المبشر والمنذر والهادي.
ثم أنّ المحورية هل يراد بها المفهوم العام في جميع العلوم كقانون منطقي عام أو يبحث عنها بنحو خاص بما أنها ترتبط بموضوع خاص كالبحث عن البراءة الشرعية لإناطة الجعل الشرعي في موضوع رفع القلم مثلاً عن الصبي أو المجنون أو بما لا يعلم فإنّ المحورية الخاصة قد ارتبطت بموضوعها الشرعي ولم تسرِ إلى الموارد الأخرى فإنّ الاطلاق المحورية على كل من الأمرين مما لا اشكال فيه علميا وإنما الذي يبنى عليه موضوع المحورية في المجال الابداعي العلمي وليس في ناحية الاطلاق المحورية بما هي فذاك بحث آخر، وإنما موضوع البحث الرجوع إلى جهة العلاقة بين المحورية والجانب الابداعي العلمي من منطلق الضابطة العلمية.
حيث أنّ حقيقة الإبداع كما أسلفنا يقوم على أساس معرفي سواء كان من منطلق الحركة الاستنباطية أم الحركة الاستقرائية وإنّ كلاً منهما في حال الوصول إلى الإبداع العلمي قد يشكل صورة محورية تناط سلسلة الأصول الخاصة تحت ذلك الإبداع ويكون بالنتيجة أنها محط الحركة الأصولية المستقاة من المحورية الابداعية وقد يكون النظر في ناحية الإبداع إلى أصول جديدة يرتبط بالمسألة أو الموضوع الخاص ولا يتعدى إلى الموارد الأخرى، وهذا وإن أطلق عليه بالابداع الخاص كما يطلق عليه بالمحور في موضوع معين فإنّ مثل الشك في أفعال المكلفين وإن جاء به الإمام عليه‏السلام المعصوم في خلق محورية أصولية لوظيفة الفقيه عند عدم الحصول على العلم أو العلمي فينطلق على المحورية الأصولية الشكلية لأفعال المكلفين أو عندما يتفرع الأصول الخاصة كالإرجاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي من منطلق الأصول الاستظهارية اللفظية وهي أصولية فرعية وهي أيضا محورية خاصة فلا تخرج عن
دائرة الأصولية العامة التكليفية لأفعال المكلفين فإنّ الأصولية العامة محورية عامة والأصولية في مسألة اجتماع الأمر والنهي أو بحث المشتق أو الترتب محورية خاصة وهي بعينها من نوع الابداعات العلمية الخاصة أيضا فقد اجتمعت الابداعات العلمية والأصولية المحورية الخاصة.

الإبداع والآفاقية
بعد بيان الإبداع والمحورية العامة والخاصة يحسن أن نتناول البحث عن الإبداع والجهة الآفاقية حيث يراد بها التطلعات العامة كما في آفاق السماء أو النظر إلى الأجرام الكونية التي تضم المجرات والفضاء اللامتناهي والتفكر في مخلوقات هذه العوالم وهذا ما حصل في العصر الحالي في غزو الفضاء وما يطلق عليه بحرب النجوم وكان أول رائد الفضاء الأول هو رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عندما عرج به إلى السماء وجاء برسالات السماء والوحي الإلهي.
وإنما الكلام بما يرتبط بين علاقة الإبداع بالآفاقية وهو التطلع العام في الحركة العلمية العامة فربما يأخذ بالآفلاق على نحو النظرية وذلك في مثل نظرية جاليلو عندما توصل إلى الجاذبية عند سقوط الجسم من الأعلى فانتقل إلى قانون الجاذبية فعندما أقرها تحت الضابطة الكلية كانت ابداعا علميا وعندما انتقل إلى أصل النظرية كانت نظرية مجردة ولم تدخل تحت دائرة الإبداع وبذلك يتضح الفرق بين الإبداع والنظرية كما سبق البحث عن ذلك.
أمّا ما يخص موضوع علاقة الإبداع بالجهة الآفاقية وهي التوغل في فضاء المعرفة والتطلع عن حقائق الأشياء ومفاهيمها العلمية التي تدخل تحت الضوابط العلمية دون مجرد التخيل المحض أو التصورات العلمية الفضفاضة التي لا تبتني على القواعد والمعايير فإنها لا تكون آفاقية علمية، وإنما هي آفاقية تصورية تخطر في أفق الذهن فينتقل من عالم تصوري إلى تصوري آخر وذلك لأسباب تداعي المعاني والمحاكاة في ناحية التصورات العلمية.
وأمّا ما يطلق عليه بالآفاق لمحض الانتظار عند توقع الشيء وحدوثه كالنظر إلى
آفاق السماء، وهذا ما حدث لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في تغيير القبلة كما ورد عن الصدوق في الفقيه صلّى رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاثة عشر سنة بمكة وتسعة عشر شهر بالمدينة ثم عيّرته اليهود فقالوا له أنت تابع قبلتنا فاغتمّ لذلك غمّا شديدا فلما كان في بعض الليل خرج صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقلب وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل عليه‏السلام وقال: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام»، حيث أخذ بيد النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فحوّل وجهه إلى الكعبة وحوّل من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها فكان لفظ تقلب وجهه عليه‏السلام في آفاق السماء لأجل التأمل في حدوث ما يقع مستقبلاً وهو قصد ما يتصور وقوعه في ناحية انتظار توقع حدوث الشيء.
و أما الابتناء فيه على الحركة العلمية أن يتصور في عالم الآفاق إما أن يكون لبيان آفاق أصل التصور وهو عالم الذهن الواسع وهو ما يعبر عنه بالقوة المتخيلة التي قصد بها إرسال التصور في مجال العلم والأخذ بمحور التصورات العلمية النابعة عن القوانين والضوابط العلمية تارة بما لها من الإناطة بمحور معين وموضوع محدد وأخرى هو الارسال نحو عرض المحتملات بمقياس استقرائي عام كما هو الحال في ضرب حساب المحتملات أو ما يصطلح عليه باحتمال أطراف العلم الاجمالي أمّا من حيث الإرجاع فيها إلى عالم العنوان أو المعنون فإنه على كلا الأمرين يمكن تصور الآفاقية في كل منهما.

الآفاقية العنوانية أو المعنومية
أمّا بيان آفاقية العنوان فيراد بها أن يكون هناك حالة من التردد والاحتمال في ناحية انطباق العلم المردد على عدة تصورات ذهنية قابل لانطباق العلم عليها كتردد العلم الاجمالي على وجود تصور زيد العلمي أو تصور عمر العلمي أو تصور بكر
العلمي، وهكذا فإنّ التردد في أفق عالم الذهن بلحاظ العنوان من حيث الصور الذهنية دون أخذ شخص زيد بلحاظ معنونه أو عمر بلحاظ معنونه أو بكر بلحاظ معنونه ووجوده الشخصي.
كما أنّ الآفاقية المعنونية وهي الإرجاع إلى حساب الاحتمالات من حيث الإرجاع إلى المحتملات دون النظر إلى ذات الاحتمالات من حيث الجهة العنوانية وإنما الملاحظ في الاحتمالات من جهة المحتملات ويكون ذلك بنحو الناظرية من جهة العنوان إلى المعنون في مقام التطبيق دون الانطباق وعليه تنصب جهة الآفاقية إلى المعنونات بما أنها في مقام الخارج وهذا ما يحدث في ناحية حركة الإستقراء بطريق الإرجاع إلى المحتملات الناقصة لأنّ كل ما يتحرك من أجله تفرض له وجودا آخر... وهكذا.
فإنه يقع في ناحية الجهة الآفاقية بطريق الخطوط الطولية أو العرضية أو الآفاقية العمودية كما في الخطوط الوهمية لما بين القطبين وملاحظة النقاط الوهمية اللامتناهية بين كل نقطة ونقطة فإنّ ذلك يطلق عليها بالآفاقية المعنونية في مقام النقاط الوهمية التي تشكل عدة تصورات في ناحية المحتمل.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق